عوضْ يوسف
الله لا جَابْ يومْ شُكركْ يا عوضْ يوسف
وقد جاءَ وحلّ علينا هذا اليومُ الأسودُ الداجيْ، فقد تعودنا، في ثقافاتنا المَوروثة والمُكتسبة، أنْ ننسى مَن يطولَ غيابُه عنّا. يساعدُ في ذلك انشغالُنا بهمومِ ومشاكل الحياة اليومية، ويزيدُ الطينَ بِلةً مَساربُ الغربة المتداخلة الملتوية وانكفاءُ كلٌ منا على ما لديه من مُتطلباتٍ يومية لا تُصيب نجاحاً فتصير شهرية، ثم تتراكمُ لا يصيبها نجاحٌ فتنقلب سنويةٌ، وقَلَّ مَن تمكَّن مِن مَلئها أو تحييدِها، ناهيكَ عَنْ مَنْ تجاوزَها أو تغلَّب عليها
ورغما عن أنّ المثلَ الذي يقول "بعيدْ عن العينْ بعيدْ عن القلبْ"، مثلٌ خاطئٌ ولا يُمثلُ الحقيقةَ الواقعة، ويُرادُ به أصلاً التهكمُ على مَن لا يُولي الناسَ اهتماماً إلا في وجودِهم، إلا أنه المثلُ السائدُ الشائعْ، وهذا ما أثار هذا الموضوعَ الشائك، وقد خَطَطْتُ هذا الموضوعَ المؤلمَ عن أخي الحميمِ "عوضْ" قبلَ أكثرَ من ستةَ أشهرٍ على رحيله عنا، وقد أمِلتُ حينَها أنْ عساهُ يتسببُ في تحريكِ من تضخمتْ قلوبُهم فقَلَّ دفقُها وتحجَّرتْ مشاعرُهم فمات حِسُّها
الأخُ الفنانُ الموسومُ برَوعة الصوت ورِقة النبراتِ، صاحبُ الألحانِ الجميلةِ والأداءِ الحسنْ وصدقِ التعبيرْ، صديقُ الجميع وحاملُ همِّ المحتاج، أخي وصديقيْ "عوضْ يوسف" يَلزَمُ منذُ فترةٍ سريرَ المرضْ بمنزله في مدينته ودْ مَدني، فمِن المنزلِ ضعيفاً عليلاً، إلى المستشفى مسنوداً متداوياً، لمراجعاتٍ لا تنتهي حتى تبدأْ. كانت في صوته نبراتُ عتابٍ ولَومْ لم يحاول إخفاءها، ونحن على الهاتف نسترجعُ بعضَ الذكريات المشتركةِ للغربة في مدينةِ الرياض القاسية، فقد قال لي أنَّ الناسَ نَسِيَتُه وأهمَلته وأنه قد صار أثراً بعدَ عينْ، وأنَّ لا أحدٌ في دنيا الفنانين يذكُرُه، وغابت المعارف والتَهَتْ الناسُ عنه، بعد أن كان يشار له بالبَنانِ حين البحث عن مغن مجيد يصدح، ويقصُده صاحبُ الحاجة إن تقطعت به سبل قضاء حاجته. حاولتُ مخالفته ونفْيِ ما بدرَ عنه، ولكني لم أستطِعْ مغالطةَ نفسي، فهو على حقْ، فمَن مِن الفنانين، الذين يَهنَؤُون اليوم بما صار لديهم من صَرحٍ ينضوونَ تحتَ لوائه، يَذكرُ "عوضْ يوسف" وما بَذلَ وقدَّم في سبيل إنشاءِ تجمعِ الفنانين السودانيين بالرياض، وتحقيقِ فكرتهِ وإنجازِ خيالي الجامحٍ الذي جاد بها
تحدثتُ بعدها هاتفيا مع بعض من تسلقوا حتى صاروا المسئولين عن تجمع الفنانين، ضمن موسيقيين ومعارف آخرين ومسئولين بالسفارة السودانية بالرياض، تحدثت عن أخي "عوض" وطرحت الفكرة بوجوب تَذَكُّرَهُ والقيامَ بأي عمل جماعي يجعله يعرف ويحس أن الناس لم تنسه، مثل إقامة ليلة لتكريمه وإيفائه ولو بعض حقه، ومن ثم إرسال ريعها له لمعاونته على سد بعض متطلبات العلاج الباهظة، فاتفقوا جميعهم، أنهم يوافقونني الرأي، وزادني بعضهم أنه سبقني في هذا الصدد، إذ تحدث عن "عوض" في موضوع عن تجمع الفنانين، نشره في صفحة التجمع بموقع التواصل الإجتماعي "الفيس بوك"، وأنه قد أعطى "عوض" حقه كاملا وأوفاه قدره مكملا، لذا وجب بذلك أن تنتفي أسباب شكوى "عوض" من هجر الزملاء له، وكأنه اعتقد أن مجرد الحديث عن "عوض يوسف"، في موضوع مبهم ينشر في موقع مجهول، بقادر على أن يعطيه حقه ويوفيه قدره ويرد له بعضا من إنجازه في الواقع المعاش في ساحة الفنون في المملكة، وبالذات في مدينة الرياض، وحق "عوض يوسف" وقدره وإنجازه يسوي بل يفوق كل ما يفخر بتنفيذه تجمع الفنانين على مر السنوات، منذ أن شيده لهم عوض
بحثت عن الموضوع الذي أشاروا إليه ممنيا النفس أن يروي غليلي ولو قليلا بذكر حق "لعوض يوسف" وقرأته، وياليتني بقيت على جهلي، وليتني لم أقرأه، فليس فقط أنه ما أشبعني ولا أرواني في حق "عوض" المهضوم المنسي، بل إنه أثار وجعا في دواخلي بتزييف الوقائع وتكذيب الحقائق ونكأ جرحا في أعماقي كنت أظن أني تجاوزته، ولكني سوف أرجع لتفصيله لاحقا أو في مكان آخر من هذه الإفادة
المهندس/ أحمد عواض |
إنتقل إلى صفحة |